هل يمكنُ للاضطرابات النفسية أن تتحول إلى خطرٍ يهدد حياةَ الأفراد؟





عالمنا الحاليّ يعيشُ عصرَ انتشار الأمراض النفسية والعقلية, فالاضطرابات النفسية انتشرت حول العالم على نطاقٍ واسع, أكثر من نصف سكان العالم يعانون من أمراضٍ نفسيةٍ مختلفة ولاسيما أنّ أهم هذهِ الأمراض هو الشيزوفرينيا أو الفصام.

لابدّ أنك سمعت يومًا عن هذا المرض, أو ربما رأيتَ مريض الانفصام في عملٍ دراميّ ما أو فيلمٍ وهو شعره مبعثر, يتحول من شخصيةٍ لشخصية في دقيقة واحدة وكأنّ الأمرَ يحدثُ بضغطةِ زر, حتى ربما في حياتك العادية لو رأيت صديقك يحمل في جناب شخصيته تناقضًا معينًا لسألته ساخرًا " هل أنت مصاب بالفصام يا صديقي"؟

أغلبنا يُسيء فهم الفصام, ولا أحد منّا يعرف بالضبط كيف يرى مريض الفصام نفسه والعالم, ما هي المشاعر التي يعيشها مع نفسه, ما الذي يدور بداخل مخيلته, وهل هو حقًا مرضٌ خطير لدرجة أن يودي بحياةِ المصابينِ به؟

لنعرف أولًا ما هو الفصامُ وما هي أعراضه :

مرض الفصام أو الشيزوفرينيا عبارةٌ عن اضطراب عقليٌّ قويّ يجعلُ المرضى ينفصلون تمامًا عن الواقع، حيث أنه يؤدي إلى مزيجٍ من الهلاوسِ، والأوهامِ، والأفكارِ، والسلوكياتِ الغريبة، وهو مختلفٌ تمامًا عمّا يعتقده بعض الأشخاص بأنّه عبارة عن إزدواج الشخصية، فهو عبارة عن خللٍ في موازنة المريض بين أفكاره ومشاعره، وهو مرضٌ مزمن بحاجةٍ إلى العلاج مدى الحياة.

وقد يعاني الشخص الذي تم تشخيص حالته بالفصام من الانسحاب الاجتماعي وعدم الاهتمام بالملبس أو النظافة الشخصية والافتقار إلى الحافز والقدرة على تقدير الأمور, ويكون تفكيره غير منظم بحيث يبدي ردودَ فعلٍ غريبة تجاه المواقف, وحين تحادثه قد يصمت وقد يتكلم بكلامٍ عشوائي غير مرتب وغير مفهوم, وغالبًا ما يُلاحظ عند مرضى الفصام التبلد والبرود وضعف في الذاكرة وقلة التفاعل مع الأحداث المختلفة تارة وتارة أخرى تجده شديد الاهتمام يتذكر تفاصيل التفاصيل ويعيش نوباتٍ شديدة من التوتر, ويشعر مريض الفصام أيضًا أنه لم يعد باستطاعته السيطرة على نفسه وأنّ حالته غير قابلة للتغيير.

ومن الجدير بالذكر أنّه لم يحدد سبب الإصابة بالفصام بدقة حتى الآن, لكنّ يعتقد الباحثون  أنّ هناك مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية وعوامل أخرى خاصة بكيمياء المخ تساهم في الإصابة بهذا الاضطراب, حيث أظهرت دراسات التصوير العصبي تغيرات في البنية الدماغية والجهاز العصبي المركزي للأشخاص المصابين بالفصام. هذا ما أثبت أنّ الفصام مرضٌ عقليّ خاصٌ بالدماغ.

ومرض الفصام يعدّ مرضًا خطيرًا إذا ما تم إهمال علاجه حيث أنّ مضاعفاته قد تؤدي إلى إلحاق الأذى بالنفس, وإدمان الكحول أو المخدرات, والتشرد, وارتكاب الجرائم, وحتى أنها قد تصل في بعض الحالات إلى الانتحار.

ورغم كلَ ما ذكر آنفًا عن الفصام وخطره, إلا أنّه هناك حالات شهدها التاريخ أيقظ فيها الفصام الإبداعَ الكامن بداخلِ المصابين به, سأذكر بعض الأسماء التي قد تكون مألوفةً لمسامعكم :

1.الرسام الهولندي العظيم فان جوخ.
2.الممثل الأمريكي الكوميدي روبن ويليامز.
3. الممثل الإنجليزي الشهير تشارلي شابلن.
4.الشاعر البريطاني لورد بايرون.
5. جون ناش عالم الرياضيات الأميركي الذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1994.

في هذه الحالات نشطت منطقة معينة في الدماغ بصورة مفرطة لديهم وهذه المنطقة هي ذاتها التي تنشط لدى إنجاز الفعل الإبداعي في العادة, حيث أشارت أحدث الدراسات في مجال علوم الأعصاب إلى وجود أساس وراثي جيني واحد للإبداع والجنون في آنٍ واحد.

الأمر الذي أرغب بإيصاله من كتابتي لهذا المقال هو أنّ  الفصام قد يتحول إلى مرضٍ خطرٍ إذا لم يتم العناية به أو اكتشافه مبكرًا, وأنّه إذا ما تطور قد يصل بالشخص إلى التفريط بروحهِ عن غير وعيٍّ منه ولا إدراكٍ لما يقترفه من جريمةٍ بحق نفسه, فالفصام يُفقده السيطرة على نفسه, حيث يُشعره وكأنما يحيا بداخل رأسه العديد من الأشخاص, يجعله يعيشُ العديد من الأشياء التي لا يفهمهما والتي تجعله يكره نفسه ويبحث عن أيّ وسيلةٍ للتخلص منها, تخيل أن يمضي شخصًا ما حياته وهو لا يستطيع فهم أفعاله أو حتى أن يعيها, لهذا علينا ألا نستهين بأيّ اضطرابٍ نفسيّ, فمنظمةِ الصحةِ العالمية ترصد كل عام ما يقارب 800000 شخص يلقى حتفه بسبب الانتحار, وترصدُ مقابل كل حالة انتحار أعدادًا كبيرة من الناس الذين يحاولون الانتحار في كل عام.

تعليقات